عندما يتعلق الأمر بجوانتانامو يبدو أن أوباما ما زال عالقاً في مشاكله المتعددة، إذ من الواضح أن المنشأة لن تُغلق أبوابها في أي وقت قريب عكس ما كان الرئيس قد تعهد به في حملته الانتخابية، وهو ما يترك العديد من الناس داخل الإدارة وخارجها، في الولايات المتحدة، أو العالم، يتساءلون عن الخطوة التالية بالنسبة لمصير معتقل جوانتانامو، وهو تساؤل يبدو في غير محله خصوصاً في هذه المرحلة، حيث يتوقع استمرار الجدل حول المعتقل في وسائل الإعلام وتواصل الاهتمام بمصيره في حين يتم إغفال المشكلات الأكبر المرتبطة بالتعامل مع موضوع الاعتقال على المدى البعيد الذي أربك الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لسنوات طويلة. إن الرأي العام الأميركي ما زال يواجه السؤال الحقيقي: ماذا سيحدث بعد جوانتانامو؟ والأمر لا يتعلق بالمنشأة نفسها وما إذا كان يتعين الاحتفاظ بالمعتقلين 192 المتبقين في المعتقل داخل ذلك المعتقل، أو نقلهم إلى سجن آخر بالولايات المتحدة، بل إنه مرتبط أكثر بالمقاربة التي ستنتهجها واشنطن في التعامل مع المعتقلين على المدى الطويل، لاسيما بالنسبة للخمسين منهم الذين يشكلون مصدراً كبيراً للخطر على الأمن الأميركي ولا يمكن إطلاق سراحهم. وفيما يشدد الخبراء في مجال محاربة الإرهاب على الدور الذي يلعبه معتقل جوانتانامو في الصراع مع "القاعدة" إلا أن هنالك أيضاً من يعتبره مصدر ضعف استراتيجي للولايات المتحدة لما يطرحه من احتمال تحول المعتقل، في حد ذاته، إلى فرصة لتجنيد عناصر جديدة لصالح تنظيم "القاعدة"وانتشار أفكاره المتطرفة في صفوف المعتقلين. ولكن بتبني المقاربة الجديدة ستعمل واشنطن على التقليل من هذا الاحتمال وإبقائه في الحدود الدنيا. ولعل الخطوة التالية بالنسبة لأوباما في متابعة مسألة الاعتقال هي الاستمرار في تغيير نبرة النقاش الدائر في الولايات المتحدة وخارجها، وبخاصة التوجه إلى المسلمين في العالم الذين يقبع بعض أبنائهم وإخوانهم وراء القضبان في جوانتانامو وباعتبارهم كذلك أول من يسعى تنظيم "القاعدة" إلى استقطابهم، غير أن ذلك يتطلب أولا تغيير واشنطن لنظرتها للاعتقال طويل الأمد، فقد التزمت الولايات المتحدة بمواصلة احتجاز المعتقلين حتى تتأكد بما لا يدع مجالاً للشك من أن الإفراج عنهم لا يشكل أي تهديد على أميركا، وذلك إما بعد أن تكون "القاعدة" قد تعرضت لهزيمة منكرة، أو لأن المعتقلين أنفسهم لم يعودوا يشكلون أي خطر. وفي هذا السياق ركزت الولايات المتحدة على محاربة "القاعدة" أو تغيير البيئة في بعض المجتمعات التي تشجع على التطرف، مثلما قررت الفرقة الخاصة التي شكلها أوباما للتعامل مع المعتقلين أن ما لا يقل عن ثلاثين يمنياً معتقلا في جوانتانامو يمكن إطلاق سراحهم شرط أن يصبح اليمن أكثر استقراراً. ولكن هناك طريقة أخرى تتمثل في العمل مع المعتقلين وتكثيف الجهود الرامية إلى إعادة تأهيلهم، وهي المقاربة التي تنطوي على العديد من الفوائد عدا تلك المتمثلة في تحييد خطر المعتقلين بهدف يمكن في النهاية إطلاق سراحهم. ومع أن برامج إعادة التأهيل قد لا تشكل الحل السحري لجميع المعتقلين، لاسيما الأكثر تطرفاً منهم، إلا أنها تستطيع احتواء مجموعة لا يستهان بها من معتقلي جوانتانامو الذين تفكر أميركا في الإفراج عنهم حتى لو ظلت "القاعدة" متواجدة، وقد حققت هذه المقاربة بعض النجاح في العراق بعدما ضمنت برامج التأهيل عدم عودة المفرج عنهم إلى العنف وحمل السلاح مجدداً ضد أميركا. وأكثر من ذلك قد تساعد برامج التأهيل في منع تطرف المعتقلين داخل معتقل جوانتانامو وسقوطهم فريسة سهلة لفكر "القاعدة"، وبالتالي الرد على منتقدي المعتقل الذين يقولون إنه ساهم في ترسيخ تطرف المعتقلين وزيادة تشددهم. ولا ننسى أيضاً أن إعادة تأهيل المعتقلين لاسيما بإشراك أسرهم في العملية سيعزز صورة أميركا في الخارج، وبخاصة في العالم الإسلامي الذي يسعى أوباما للتعاون معه ومد جسور الحوار والتفاهم نحو شعوبه. وقد رأينا كيف أن إعادة التأهيل أصبحت جزءاً من الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان التي تروم كسب عقول وقلوب الأفغان، تلك الاستراتيجية التي تمتد إلى المعتقلين في السجون الأميركية من خلال إشراك أسرهم لتحصينهم ضد الفكر المتطرف. ومع أن تجارب مشابهة في بلدان أخرى ما زالت قيد الدراسة نظراً لنتائجها الملتبسة أحياناً إلا أنه لا يمكن استبعاد برامج إعادة تأهيل المعتقلين كخطوة لازمة لإدماجهم في المجتمع وإبعادهم عن التشدد والعنف. وإلى حد الآن ركزت الإدارة الأميركية على ترحيل المعتقلين كلما سنحت الفرصة ومحاكمة الباقي مهم. وبعدما شكلت هذه السياسة خطوة جيدة في البداية يتعين على الولايات المتحدة مضاعفة جهودها لتفسير استراتيجيتها في مجال الاعتقال للعام الإسلامي، وهو ما يستدعي دبلوماسية تواصلية وذكية تعتبر إحدى نقاط قوة أوباما. وفي سياق تغيير نبرة النقاش حول معتقل جوانتانامو لابد للإدارة الأميركية من تبني شفافية أكبر إزاء موضوع المعتقلين، فبعد مرور ثماني سنوات على إنشاء ذلك المعتقل ليس واضحاً بعد من بقي داخله ومن غادره، كما أن على السلطات الأميركية الكشف عن هوية المعتقلين وإطلاع الرأي العام على مدى خطورتهم على الأمن الأميركي. ماريسا بورخيس باحثة في"مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"